الكاتب:حميدة
الحمد لله ..
كنت امتلك عجلة ( فونيكس 26 ) .. و جدي من جهة ابي برسل لينا ( الضحية ) من البلد .. خروفين أو اكثر ..
كان بيتنا ( مطرطش ) بالرمادي .. مع دهان ( السكينة ) بالابيض .. وكنا نمتلك مسطبة أمامه في وسطها شجرتين ( نيم ) و مزيرة ..
تمتلك والدتي في ذلك الحين ما عدده واحد ( احفظ مالك ) ووظيفة وكيلة مدرسة .. و يمتلك والدي و ظيفة ( موجه تربوي ) تركها في سنة 91 و فضل الاغتراب في السعودية .. و باع التكسي ..
لدى جدي من جهة امي .. ما عدده ( 2 دكان ) في سوق امدرمان لبيع التمور و العناقريب .. اغلقها بسبب الضرائب الباهظة و قعد في البيت منتصف سنة 94 ..
سافرنا الي القاهرة عن طريق وادي حلفا مرتين .. زرنا حديقة الحيوانات و وسط البلد و دخلنا السينما .. و عندما عادونا الحنين مرة أخرى سنة 98 .. لم نجد وادي حلفا علي الخريطة ..
أعمامي كانوا شبابا .. لديهم كمية من الجكس .. و شعر راستا .. و اسطوانات .. وكتب .. و اقلام و دفاتر غرام .. غادروا السودان تباعا منذ 94 و لم اراهم مرة آخرى ..
كان لدينا ( طابونة ) في الحارة .. نمشي نجيب العيش منها الساعة 3 صباحا .. و كنا سعداء ..
واصبح لدينا الآن 5 بقالات فاخرة تبيع العيش الفاخر جدا .. لا نستطيع الشراء منها .. و لقد اغضبنا هذا الأمر ..
في حارتنا كان هناك تلفون واحد عند ناس خالتي ( فاطمة ) نتحدث من خلاله مع ابي و أخرون لا نعلمهم ( بس كل مرة بيقولوا ادينا نسلم عليهو بالله ) ..
الآن لدينا عدد واحد تلفون ثابت سوداني و واحد كنار .. و عدد لا بأس به من شرائح الاتصال .. منتهية الرصيد .. ( استقبال فقط ) ..
صديقي مأمون كان يتولى مسألة ( الحلاقة ) .. مقابل سجارة برنجي .. ألآن ارتفع أجره .. الي قزازة ( بيبسي موبايل ) او تحويل رصيد ..
كان لدينا ( ميدان ) صغير .. و عراضات صغيرة .. و جزم مرقعة .. و كورة موزة .. و اتنين لعابين شديد .. نقسمهم بالتساوي بين الفريقين ..
سنة 93 .. قيل لنا نصف الميدان .. سيقام فيه مسجد .. و النصف الآخر .. وزع بين ثلاث منازل جديدة لديها سطوح .. و ابناء يدرسون في المجلس الافريقي ..
انتقلنا للميدان الكبير .. ( ميدان ابوجا ) .. ليتحول الي مضمار لتدريب الدفاع الشعبي .. تأكدنا يقينا ان لعبتنا المفضلة قد اصابتها اللعنة .. تركناها ..
في ما بعد .. امتلكنا مدرسة أهلية كتب علي يافطتها ( مدرسة امدرمان الأهلية تأستت سنة 1955م ) .. و ماتت سنة 1998م .. !!
كتب في شهادة الوفاة .. تم تحويل المباني الي الي إحدى الجامعات .. في اطار ثورة التعليم العالي ..
كان لدي جارنا ( عبدالعاطي الراجل الواطي ) قندراني و سبعة ابناء .. باع القندراني .. ثم البيت .. ثم اختفى غرب الحارات ..
تبعه ناس محجوب .. ثم ناس علوية .. ثم طلق محمد أحمد زوجته .. و اصبحت تلك البنت التي تهديني صباحات الورد .. اصبحت ( بت ما كويسة)
و تبعها في ذلك كثير من خلق الله .. في ما بعد اصبحت ظاهرة .. و الآن الامر عادي ذي الزبادي ..
..
..
في العموم ..
كنا نمتلك ( وطن ) في ذلك الحين .. يدعى ( جمهورية السودان الديمقراطية) ..
لديه نشيد يقول ..
نحن جند الله .. جند الوطن ..
عصيدة بلبن ..
مين ياكلا ..
محمد البطل ..!!
وعلي ذكر السكة حديد ..
كان ابي يمتلك ( تصريح سفر ) .. كونه موظف دولة .. ذهبنا بالقطر الي الشمالية و الابيض ..
علي درجة ( نوم ) .. و علي ما اذكر اشترينا ( نبق و قنقليز ) في إحدى المحطات .. و تعرفنا علي سايق القطر ..
و في مرحلة متقدمة .. ذهبنا بذات ( تصريح السفر ) الي بورسودان ..
وعلي ما أذكر كان لعمي ( لسان الدين ) باخرة طويلة عريضة تدعى ( دنقلا) ..
عرفت في ما بعد انه كان يعني بعبارة ( دي الباخرة بتاعتنا ) .. أي هم ( سودان لاين ) .. الخطوط البحرية السودانية .. طيب الله ثراها و اسكنها فسيح جناته ..!!
كان يا مكان .. كشك ناصية ..
فيهو مجلات ..
الصبيان .. صباح .. سمير .. ماجد .. ميكي ..
وكتب جادة .. رجل المستحيل ( للرجال الاقوياء ) .. وزهور ( للانسات الصغيرات ) ..
و جرايد سياسة و رياضة .. و كتب العربي الكويتي .. وورق فلسكاب .. و صمغ و جلاد .. وبراية و استيكة ..
وقصص اطفال خضراء .. و قصص ملونة فيها صور لسيدنا موسي عليه السلام و نبي الله ايوب ..
و حاجات و حاجات و حاجات ..
لم نكن فقراء بهذا القدر الذي تتحدث عنه ..
كان عندنا حاجات كتيرة ..
مش كدا ..!!
يا سيدي ..
لم نكن فقراء ..
كان جدي عليه رحمة الله كل يوم جمعة .. نركب معاهو في البوكسي الـ82 نمشي الموردة.
نملا القفة ســمك .. و كمية قراقير هبة من صاحب المركب ..
في الملجة بتاعت الخدار .. ( وسط سوق امدرمان ) .. نلقط ما تيسر لنا من ليمون و جرجير و تبش ..
لا أزال اذكر صوت جدي .. ( بالله يا فتاح اعمل لينا تشكيلة سلطة و ما تنسى التبش لاولاد فاطمة ديل ) ..
زادت او نقصت ( السلطة ) كان السعر واحد .. و بدون مفاصلة ..
عند طرف بيت ناس حبوبتنا .. دكان علي .. طلبات الجمعة ثابتة .. زيت و كروسة كبريت .. وقزازة بيبسي بشرط اشربا في الدكان .. عشان الباقيين ما يتشبكوا ..
و أسأل علي صاحب الدكان .. الصرفة بتاعت السكر جات و لا لسع ..
اذا ما جات .. خليهو يديك رطل بالغالي ..
كان في سـكر .. و كنا نعرفه و يعرفنا .. الغالي منه و الرخيص ..
و في مرحلة آخرى .. ما في بيت ناس حبوبتنا .. في بيت والدي ( الاسرة الصغيرة ) كان عندنا علبة فورموست كبيرة ..
لقيتنا كيف عليك الله ..!!
و في خضم هذا .. جانا رئيس الجمهورية في حلتنا ..
جلست علي يمينه .. ( تطلب مني الامر قليل دهاء و كثير مراوغة ) ..
قال لي اسمك منو .. قلت ليهو ( كلن ) .. طير عيونه .. ( كلن ) منو .. ياخي ( كلن ) .. ما بتعرف ( كلن ) ..
( كلن ) ياخي ..
ما عرفتو و الله ..
( كلن عندك فكة شلن ) ..
لا لا ما عندي فكة شلن .. لكن هاك الجنيه دا ..
و ضحك الجميع ..
كان ذلك عند افتتاح مسجد هريدي .. في الثورة الحارة العاشرة .. الرئيس نميري ..
عملوا حولية .. وفتة و لحمة ..
و أكلنا جوافة و منقة .. وبلح ..
و زغردت حاجة التومة جوه الجامع .. و نهرها عبد السلام ..
منذ هذا التاريخ اعتبرت نفسي من الصفوة ..
بعرف اتنين بجيبوهم في التلفزيون .. نميري و تماضر شيخ الدين ..
وتجي تقول لي شحادين ..!!
ايضا ..
كان لدي محبرة ..
مالها اشيائي كترت كدا ..
ايوه محبرة .. في مرحلة الكتابة بالقلم السائل .. ابو انبوبة ..
عندما كانت المدارس توزع كراسات مكتوب فيها ( العلم نور ) طبع بمطابع ( الحرمين ) ..
في ما بعد اكتشفت ان مطابع الحرمين تقع في المنطقة الصناعية امدرمان و كان فتحا عظيما مسألة اكتشافي الكراسات بجيبوها من وين دي ..
افلست هذه المطبعة الآن .. و صاحبها كمال ساتي .. قاعد في بيتهم .. تاني بيت و انت نازل من كبرى شمبات .. ممكن تزوره يحكي ليك الحاصل ..
..
الكتابة بالقلم السائل فن ..
تكتب بدون ما توسخ الكراس ..
مهمة تعبئة اقلام ابو انبوبة .. مهمة شقيقتي الكبرى .. عشان المحبرة ما تدفق ..
كان عندنا درس عصر .. و درس صباح .. و طابور .. و استاذ .. و صوت عنج .. وفراشين .. و زير كبير .. و مكتب مدير .. ومكتب اساتذة ..
و ديل انجليزي .. و رياضيات .. و جغرافيا .. و رحلة مدرسية .. و ست صفية .. و كتاب مشترك .. و كنبة حديد .. ودرج بطبلة ..
كل ذلك كان مجاني .. ملح ســــــــاي ..
قروش الجير بس .. !!
السكر ..
سكر كنانة .. نضيف و سـمح .. يباع بالشوال 50 كيلو .. شوال ابيض نضيف ايضا .. العلامة التجارية بالاخضر الباهت ..
يتوفر خارج ( الصرفة ) .. في المحلات الكبرى .. الاسواق المحلية .. دكاكين البرقو ..
سكر الجنيد .. دراشة مغبر .. يستخدم داخل ( الصرفة ) لتغطية النقص بتاع سكر كنانة ..
يستخدم غالبا في مصانع الحلويات .. و الباسطة .. و ناس حلاوة فولية ..
..
..
لم تأتي الانقاذ .. لكي تعرف الناس بالسـكر .. فهذه المعلومة موجودة قبل ان يبدأ الاسلاميين الجهاد ضد الشعب السوداني ..